Si je n'avais pas lu Edward Saïd, je serais orientaliste - لو ما قرأت كتاب إدوارد سعيد لكنت مستشرقة

Saturday 30 June 2012

ذكريات (١) ـ مصر




كنت في السادسة عشرة من عمري - أول مرة وطئت أرض أفريقا وأرض من العالم العربي ...
كنت نائمة في الباص السياحي الجديد والمكيّف الهواء في وسط درجات حرارة البلد. حر جدا بالنسبة لنا السياحيين مع أن كان ربيعا جميلا. كنا منتقلين من مكان سياحي لمكان سياحي آخر وقد تجاوزنا موقع قبر “هاتشيبسوت” المرأة التي كانت فرعون في زمانها. فيما بعد كنا نعبر قرية صغيرة وفقيرة. كنت نائمة لأن كنا نستيقظ بكيرا جدا ونذهب الى النوم متأخرا جدا لنستوعب الأكثر من كل ما كنا نزور في البلد من خلال أسبوع واحد من العطلة. فكنت أستغلّ من كل أوقات صغيرة مثل الرحلات في الباصات من منظر الى آخر وأنام ... ضد إرادتي معظم الوقت لأن ما كنت أشاهد في الرحلات من الحياة اليومية المصرية كان مثير للإهتمام في نظري. 

خلال الرحلة ذاتها لا أعرف لماذا استيقظت لثوان ،ربما كنت أحس أن قد يفوتني شيئا مهما. كان الباص يصير بسرعة وخلال اللحظة فتحت فيها عينيَّ وجدت نفسي أنظر في صبي واقف على بعد قصير من اباص ، لا أكثر من مترين، صبي واقف جانب الطريق (الطريق يعني الرمل الأكثر ممهد وسط مكان حيث لا تجد إلا رمل) وكان هذا الصبي قد خرج من برميل القمامة كبيرة (مزبلة) يصحبه في البحث عن الطعام معز هزيلة مثله. كلا من الصبي والمعزة هزيلان بشكل مخيف. هذا الهزال الذي نحن الغربيين نشاهدها فقط على التلفاز في الأخبار عن المجاعة في أفريقا ولأسباب مختلفة على عارضات الأزياء ... فكان الصبي يخرج من البرميل ليرى حيث كان الباص متجه، يرانا ولا يرانا في آن ولكن أحسست كأن ينظر اليّ مباشرا. 

في مشهد العسر ذاك ما أدهشني وأثّر في كان هو ناظر الصبي، عيناه. حيث أي منا قد يتوقع التوسل أو الحزينة أو الغضب أو أي شعور قوية مثلها التي “تناسب” ذلك المشهد فما فوجدت إلا سكون وهدوء. ناظر مليئ بالسكون وتقريبا شيئ من الإطمئنان والتساؤل ولكن لا من الفضولية. حتى لا فضولية لأن باصات فاخرة وسياحيين غنيين هو منظر يومي اعتاد عليه بكل وضوح. شيء مؤلفة مثل البحث عن الطعام وملابس. نحن الاجنبيون ما استحقنا حتى فضولية أو أي شيئ آخر من قبله. فقط رفع رأسه ونظر إلى الباص ليعرف إذا كان في خطر بالنسبة لمسار الباص. 
وهذا اللحظة منت أنظر في الصبي وكان ينظر فينا طالت في ذهني لمدة ساعة وانطبعت في ذهني أكثر من أي شيئ آخر في هذا البلد خلال رحلتي هذا أو في أخبار التلفاز ... لا شيئ يواسي الواقعية المباشرة. 
لقد اكتشفت حينئذ أن باقية العالم ليست في حاجة الينا وتعاطفنا (المتكلفة كثيرا ما) ودموعنا على وضعها وإلخ ... بل كان العالم يتبادل النظر معنا “الغربيين” بمساواة وحتى بشكل أقوى لأنهم ما عندهم ما يخسرونه فيما نحن نحتاج لكل شيئ حتى لمكيف الهواء في ربيع جميل.
 
ما كان يحتاج الصبي إلى شفقة. إحتاج إلى طعام لكن بدون أن يسأل أحدا لذلك وببساطة اكتفى بالبحث عنه بوحده. ويتسأل عن امكانيات الحصول على طعام وعن الأسباب التي تدفع سياحيين أجنبيين للعبور بقريته في غاية الاستعجال كل يوم. 
أو من الممكن أن ذلك هو ما استخرجت مما كنت أشوف في ناظره. لن أعرف أبدا ما كان وراء هذان العينين ولكن اكتشفت حينذاك عالم جديد تماما على بعد من أقل مترين مني. 


(the english version of it is here)

No comments:

Post a Comment